زهرة البيتونيا ....

كعادته صباحا ومبكرا يخرج حاملا دفتر محاضراته لا يلو على أحد .. فأمامه هدف واحد لابد من تحقيقه .. ولم تغريه يوما بسمات الغيد الحسان ولا نظراتهن بعيونهن المكحلات السود وملامحهن المنسوجة من خيوط شمسنا الذهبية الدافئة وبشرتهن المغموسة في مياه النيل فصبغت بلونه الخمري .. واستعصى قلبه على كثيرات دققن بابه .. أو نسجن حوله شباك حبهن .. وسار في طريقه تداعب أنفه شذى زهور البرتقال .. فانتشى كمن عانق حبيبه .. وأخذ ت خطواته تتسابق كأنما تسابق الزمن لأمر ما .. وأخذته بسمة عندما مر على حوض زهور البيتونيا الزاهية البهية كعروس تزف لعروسها .. وعلى غير عادته مد يده وقطف إحداها وتنشق عبيرها .. وبنظرات حانية تمتمت شفتاه بكلمات لم يسمعها ويفهمها إلا قلبه وزهرته الجميلة .. ستبدأ المحاضرة فماذا هو فاعل بزهرته ؟ فأشفق عليها ووضعها برفق وحنو بين طيات دفتره .. وانتهت المحاضرة .. فاقتربت منه تسبقها بسمة رقيقة وتعلو وجنتيها حمرة خجلة لتستعير دفتره لتحصل على ما فاتها من محاضرات .. وعلت وجه ابتسامة الموافقة .. لماذا ؟! وقد كان من قبل يسوق الحجج لمنع إعارة دفتره .. ترى هل يخبئ له قدره شيء ما ؟ أم ستظل قلاع قلبه حصينة لا يدق لها باب ؟! وأعادت له دفتره فتصفحه ووجد زهرته مستكينة في مكانها لم تعبث بها يدها .. ولكن تسمرت نظراته على كلمتين بجوار زهرته .. زهرة جميلة .. مكتوبة بخط رقيق كتبته أنامل أكثر رقة كأنما نسجتها من نسمات صباح عليل .. وعندئذ لم ير الزهرة بل رأى وجهها كما تخيل من قبل الحور العين .. وأسفل كلماتها كتب ويده تهتز من خفقان قلبه : ولكنها ليست أجمل منك .. وأغلق دفتره بسرعة كأنما يصارع قلبه حتى لا يتغلب عليه .. ولم يدر أن قلبه قد صرعه .. وقاوم بكل قوته وهجر نظراتها وتبسمها .. وافتعل نظرات جامدة لعلها تعيد غلق حصونه .. وكان يفر منها كأنما يفر من قدره ولكن إلى أين ؟ لا مفر !! .. وعاودت استعارة دفتره .. فتمنع ولكن غلبته رغبته في إعارتها إياه .. وأخذته ممتنة .. وكأنما حفظت مكان زهرته في دفتره ففتحت صفحة تواجدها .. فرحت .. لا زالت هناك .. زهرة البيتونيا .. ولم تصدق ولم يخطر ببالها أن تقرأ بجوارها ما كتب – ولكنها ليست أجمل منك – .. وأعادت له دفتره .. أخذه وانتبذ مكانا توارى فيه عن العيون .. وبسرعة فتح مكان تواجد زهرته .. زهرة البيتونيا .. كأنما يتوقع شيء ما .. ولم يجدها .. وارتجفت يده .. فارتجفت أحاسيسه .. وغلبته ظنونه .. أين زهرته ؟ وكيف تسببت هي في إضاعتها ؟ .. ولكن فجأة قفز من شدة فرحه .. فقد غاصت في أعماق قلبه كلمة وإن نقشت من نقاط متجاورة .. فقد وجد مكان زهرته : أنا أخذت زهرة البيتونيا التي كانت السبب في أني ...... !! .. وفتحت قلاع قلبه .. ولن يشتاق قلبه بعد اليوم إلى عهد عصيان الحب ..