تخرجت وحصلت على الشهادة الكبيرة .. وأيضا تم تعيني .. يا فرحة أمك بيك .. وكم راتبك الشهري ؟ .. مش مهم .. المهم إنني أعمل في عمل اخترته بإرادتي ولم يفرضه علي مكتب التنسيق أو غيره .. عمل من أعمال الأنبياء .. أهناك أفضل من تربية وتعليم أبناء بلدي لنرقى ببلادنا إلى مصاف الأمم الراقية .. كلام جميل إذن كيف ستعيش وتتزوج وتنجب ؟ ربنا كريم .. ستعطي دروس خصوصية ! لا والله أبدا لن يكون .. راتبك لا يكفي لاستئجار نصف شقة .. قلت لك ربنا كريم .. ثمان سنوات ولم تفعل شئ .. هل لا زلت مصر على عدم إعطاء الدروس الخصوصية ؟ .. أقسمت ألا يكون .. الوقت يمر والعمر يمر .. فمتى يكون لك شقة وزوجة وأبناء .. عندما تشيب ؟ - دا ابن الشيبة يتيم - قلت لك ربنا كريم .. ثمان سنوات وحفيت على مكاتب التوظيف بالخارج .. وجاء الفرج عقد عمل بدولة عربية .. مدرس ؟ لأ .. مندوب مبيعات براتب معقول .. والسفر قريب إن شاء الله .. والتربية والتعليم والأمة الراقية ؟ سيكون سفري لفترة محدودة وانتقالية .. وممكن أجد عقد عمل مدرس .. وبلدك ! كل بلاد العرب أوطاني .. دي قومية عربية ؟ ولما لا تقول إسلامية .. فمتى يأتي زمن تكون فيه كل الدول العربية والإسلامية أمة واحدة على قلب رجل واحد أو على الأقل على فكر واحد مرجعيته إسلامية .. تختفي فيما بينها الحدود وتكون هويتي ( جنسيتي ) هي إسلامي .. وأحمل جواز سفر إسلامي .. حلم بعيد المنال .. تراه بعيدا وأراه قريبا .. ومتى السفر ؟ غدا إن شاء الله .. ودندن .. خايفة لما تسافر على البلد الغريب تنسى إنك فايت في بلدك حبيب .. ما تخافش فمهما اغتربنا ومهما ابتعدنا فالوطن يعيش بداخلنا هو هوانا الذي نستنشقه هو الفرحة والبسمة والأهل والولد .. هو أحزاني وآلامي وهمومي .. يكفي أن عند عودتي أتلهف له شوقا لهفة المحب لحبيبه .. ولن نسلوه أبدا مهما حاولوا تغريبنا داخل أوطاننا .. في المطار انتظرت مع المنتظرين لحين دخول الطائرة .. على السادة المسافرين على الرحلة رقم 777 التوجه لبوابة السفر رقم 7 .. واصطف الركاب والراكبات لدخول الطائرة ودخل البعض .. ثم انقلب المطار رأسا على عقب .. ورتب بسيوف متقاطعة ونسور ودبابير هنا وهناك وأجهزة لاسلكي تصدر أصوات كأنها حشرجة الموت .. وتم إخراج الركاب من الطائرة مرة أخرى .. ماذا يحدث ؟ وشك حلو يا لطيف !! .. قالوا : أجهزة التكييف في الطائرة معطلة وسيتم إصلاحها .. وما العلاقة بين جهاز التكييف وقيادات الأمن بالمطار ؟ .. وانتظرنا أكثر من ساعتين .. ثم عاودنا الصعود إلى الطائرة مرة أخرى .. وأقلعت الطائرة وتشبثت بالمقعد في لحظة أحسست فيها بروحي تنسل من بين أضلعي ويقتلني الخوف .. ويزيد خوفك شرح تسجيل صوتي يتزامن مع حركات للمضيفات بلغة الإشارة ( قبل وجود أجهزة الرؤية التليفزيونية المتواجدة حاليا على الطائرات ) تشرح كيفية الخروج من الطائرة عند الطوارئ وكيفية ارتداء سترة النجاة عند الهبوط فوق الماء .. استر يا رب .. وأجمل ما رأيت منظر رائع للسحب من أعلى وعن قرب كانه موكب لعروس في السماء يطوف .. وبدأت المضيفة في توزيع بطاقات بيانات نملئها وتسلم في الجوازات عند الخروج من المطار .. وسألتني المضيفة مصري ولا .... قلت لها مسلم .. فنظرت لي باستغراب .. قلت لها مسلم مولود في مصر .. فأعطتني بطاقة المصريين ..
وجاء وقت الوجبة الغذائية .. لحمة ولا فراخ ؟ قلت لها لحمة .. وتبادر إلى ذهني وجبة مشبعة .. ولكن خاب ظني فقد كانت عينات للتذوق أكثر منها وجبة .. ولكن كيف ستأكل في هذا الجو بالشوكة والسكين وأنت لا تعرف غير ودن القطة !! ودن القطة لمن لا يعرفها يا مبارك هو جعل قطعة الخبز على شكل أذن القط حتى تستطيع أن تغمس بها .. أما الشوكة فلم استخدمها من قبل إلا عند تناول المكرونة الاسباكتي .. وكانت تسبب لي مشكلة أيضا .. إذن انت لازم تتعلم الكتاكيت قصدي الإتكيت حتى تعرف كيف تأكل وكيف تشرب وكيف تتكلم وكيف تعامل الناس وكيف تمشي .. وعلمني الكتاكيت ...
في اليوم التالي للوصول وفي جريدة الأهرام .. عامل النظافة بإحدى الطائرات بمطار القاهرة يعثرعلى ورقة مكتوب عليها توجد متفجرات بالطائرة مما تسبب في تأخير الرحلة لأكثر من ساعتين ..
إلى لقاء آخر من على متن الطائرة 777 .....