
انتهت الدراسة بحلوها ومرها .. ولم يكن صديقنا مثل كل زملائه فرحا بالتخلص من المذاكرة والاستيقاظ المبكر والنوم المبكر .. ولماذا لم يكن فرحا وسوف يقضي أياما متحررا من كل قيود الدراسة ؟ .. ولماذا كل هذا الضيق وكراهية الإجازة ؟ لكن إذا عرف السبب بطل كل عجب .. فوالد صديقنا يعمل في محافظة مجاورة وكعادة الأسرة كل عام تذهب لمقر عمل الوالد لقضاء كل الإجازة المدرسية .. وكان صديقنا يكره السفر مع الأسرة .. فكل زملائه وأصدقائه هنا في بلدته .. فكيف تكون الإجازة ممتعة بدونهم ؟.. كيف وليس له أحد هناك في البلدة التي يعمل بها والده .. لا زملاء ولا أصدقاء يسامرونه ويحاورونه وتحلو بهم الإجازة والسهر .. ورضخ صديقنا لقرار الأسرة مثل كل عام .. وسافر .. ولكن سرعان ما عاد بعدما استأذن من والده ليقضي أياما في بلدتهم .. وهكذا كانت الإجازة كر وفر من بلدته إلى مقر عمل والده والعكس .. وكانت رحلات مكوكية قصيرة بقطار الضواحي .. وكان يعيش بمفرده في بيت الأسرة القديم .. وبعض الأيام يستضيف أصدقائه يتسامرون .. وسرقهم الوقت وقرب الليل من الانتصاف .. وانصرف الأصدقاء .. واستعد صديقنا للنوم .. وترك أنوار الصالة مضيئة .. وأغلق أنوار غرفته .. فلا يستطيع النوم والمصباح مضيء .. ورقد على جانبه الأيمن .. وشد الكوفرته ليتغطى بها ثم ما لبث أن رفسها برجله فالجو حار .. وكان باب الغرفة يقابله تماما .. يغالب النوم والنوم يغالبه وعينيه ما بين مغلقة ومفتحة .. وبينما هو يفتح عينيه رأي ما أرعد فرائصه .. وبمن يستجير ويستغيث ؟ فلا يوجد أحد معه في البيت القديم .. ومن أين تأتي هذه العين المضيئة المتحركة من خلف باب الغرفة .. لعله ثقب في الباب .. ولكن لماذا تتحرك هذه النقطة المضيئة إذا كانت ثقبا في الباب؟ وهرب منه النوم وتركه وحيدا يصارع أفكاره وتخيلاته .. سيغطي وجهي وينام .. ولكن كيف يأتيه النوم ولازالت النقطة تتحرك كلما حرك رأسه ونظر إليها بعين واحدة من أسفل الكوفرتة.. لعله يتوهم ويرى شيئا في خياله .. فأغمض عينيه ثم فتحهما فلم تفارقه النقطة المضيئة .. وحادثته ظنونه لابد وأنه عفريت .. وعقله الباطن يسترجع كل حكايات العفاريت التي قصت عليه ويؤكد ما قالت به ظنونه .. وأخذ يتمتم قارئا آية الكرسي .. وما أن انتهى من قراءتها أنتفض مسرعا وبكل ما أوتي من قوة متجها نحو مفتاح المصباح فأضاءه .. وأخذت أنفاسه تتلاحق كمن كان يجري في مضمار سباق .. وجلس على حافة السرير .. ما هذه الليلة الليلاء ؟! .. كيف سينام ؟ وإلى من يذهب والناس نيام ؟ .. ماذا سيفعل .. يخشى صديقنا أن ينام ويطفئ النور فيظهر له ما ظهر .. ولن يأتيه النوم طالما المصباح مضيء .. وأتجه إلى مكان مصحفه بعدما توضأ وأخذ يتلو القرآن الكريم.. وظل يقرأ حتى داعبت أنفه رائحة زكية كأنما هناك بخور مشتعل .. هي بالفعل رائحة بخور فمن أين تأتي ؟!! .. كانت الرائحة تأتي من كل أركان الغرفة ولكن بلا دخان .. وانتهى من القراءة في مصحفه بعدما أحس بطمأنينة .. فأغلق مصحفه وأطفأ النور واضطجع على شقه الأيمن وقال : اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت .. ونام قرير العين مستمتعا برائحة البخور الجميلة ..

أحبتي .. أترككم مع هذه القصة الحقيقية والتي حدثت منذ مدة بعيدة .. ولأني سأسافر إلى مصرنا الحبيبة خلال هذا الأسبوع حيث ستبدأ إجازة نهاية العام فاسمحوا لي بالتغيب عنكم ولكن لمدة بسيطة إن شاء الله .. أستودعكم الله ..